2010/09/05

وداعًا يا كرسي أمي


وداعًا يا كرسي أمّي !!


كان ضحى يوم الأربعاء 3 / 1 / 1430هـ هو اليوم الأخير الذي تشرفت فيه بأن أكون خادم أمي – رحمها الله تعالى – في كرسيها المتحرك الذي طالما كان لي معه ومعها صحبة !
( كرسي أمي ) فارقها أو فارقته ضحى ذلك اليوم دون عِلم أحد منا (نحن الثلاثة) أن ذاك الضحى هو آخر ساعة ستجمعنا معًا كما اجتمعنا أيامًا عديدة ، ذهبنا ذاك الضحى إلى مدينة الملك فهد الطبية لمراجعة اعتيادية ! ولكن الاستشارية أصرت على تنويم (أمي نورة) لأن حالتها لا تسمح بخروجها ، فرجعت مساءً أنا والكرسي دون أمي ، حيث مكثت أمي – رحمها الله – في المستشفى من ذلك الضحى 3 / 1 / 1430 هـ إلى أن كتب الله الخروج منه ضحى السبت 3 / 3 / 1430هـ ولكن هذا الخروج كان إلى مغسلة الأموات في جامع الراجحي ! وبالطبع خرجت محمولة ولم يصحبها كرسيّها !
وفي العشر الأواخر من رمضان المبارك 1431هـ أخذت ( كرسي أمي ) رحمها الله ، معي إلى مكة المكرمة لأجعله في المكان الذي طالما كانت ترتاح فيه حيث الحرم الشريف ، صحبت ( الكرسي ) وليس عليه ( أمي ) ! وطلبت من القائمين على خدمة ضيوف الرحمن أن يقبلوه ( وقفًا للمسجد الحرام ) ، وبكل أريحية ولطف أخذه أحد شبابنا السعوديين العاملين في المكان المخصص للعربات ليكتب عليه ( وقف للمسجد الحرام ) وودعني بالدعاء لمن كانت تنير هذا الكرسي – رحمها الله –
خرجت مودِّعًا ( كرسي أمّي ) وأنا أحمل معي أحمالاً من الذكريات !
أسائلك أيها ( الكرسي ) أتذكر مثلي عندما كانت ( أمي نورة ) رحمها الله تجافي ظهرها عنك حتى تخفف عليَّ دفع الكرسي !
أتذكر عندما كانت – رحمها الله – تقول لي بحضورك يا وليدي بإمكاني أن أمشي ، خلني أنزل تعبتك يا ولدي !
أظنك لم تشعر بها – رحمها الله – وهي تخرج من حقيبتها ما تفرح به العاملات والعاملين في المستشفى والممرضات بما تخفيها حتى عنك لئلا تحرج المحتاج !
لكنني أظنك كنت تراني وأنا أرتفع على الدنيا كلها حينما أنزل إلى موضع (قَدَمَيْ أمي) رحمها الله ؛ لأصلح لها موضع القدمين منك أيها الكرسي ، وهي تردد كلما تكرر مني هذا العمل ( الله يرفع قَدْرك يا ولدي ) .
أيها الكرسي هل كنت تشعر بالغبطة والسرور عندما تراني أقبِّل ( رأس أمّي ) رحمها الله أثناء سيرنا من وإلى العيادات وهي ترد على قبلاتي بقولها ( حبِّكْ ربّي ).
أيها الكرسي ما شعورك وأنت تستمع إلى أحاديثنا الطويلة التي أحاول بها أن أخفف على ( أمي ) رحمها الله طول الانتظار في ( شباك الصيدلية ) .
أيها الكرسي كيف كنت وأنا أدنيك جدا من باب السيارة حتى لا أضطر ( أمي ) رحمها الله أن تمشي خطوة واحدة !
وأخيرًا ( أيها الكرسي ) هل شعرت بي وأنا وأنت فقط عند الحرم عندما قبّلتك أنت قبلات ممزوجة بدموع تتوارى عن أعين المعتمرين ! نعم قبّلتك وأنا أستحضر ذلك الجسد الطاهر الذي كان عليك يومًا من الدهر ! قبّلتك ولكني لم أسمع هذه المرة ( حبِّكْ ربّي ) !
رحم الله أمي الغالية ( نورة بنت عبد العزيز بن غنيم المانع ) التي لا تزيدنا أيام فراقها إلا تعلقًا بها ، وشوقًا إليها .

د / إبراهيم بن عبد الله الغانم السماعيل

ليلة 27 رمضان 1431هـ

هناك 19 تعليقًا:

  1. ابو عبدالله المسند6 سبتمبر 2010 في 4:34 ص

    رحم الله والدتك يادكتور ابراهيم فمن عرفها عرف فيها الطيبه والسماحه ولين المعشر
    وجزاك الله خير على اسلوبك الراقي الذي جعلنا نحس وانت تخاطب كرسي والدتك كانك تخاطب كائن حي يرى ويسمع ويحس فغفرالله لك ولوالديك

    ردحذف
  2. أخوك د / إبراهيم السماعيل7 سبتمبر 2010 في 5:16 م

    شكر الله لك أخي ( أبو عبد الله المسند ) على لطيف مشاعرك ، ورائع عباراتك ، والدتي رحمها الله والدة لك ، والله تعالى يعلم مدى حبها لك وتقديرها لجنابكم الكريم ، أشكر لك مجددا مرورك الكريم على المدونة

    ردحذف
  3. رحم الله أموات المسلمين ...

    تصدق ان قصيدتك ابكت والدتي ...

    أسأل الله أن يجعل والدي ووالديك في الفردوس الأعلى من الجنة ... (ونحن معهم مع النبي صلى الله عليه وسلم)


    تلميذك ...

    ياسر ..

    ردحذف
  4. د / إبراهيم السماعيل24 سبتمبر 2010 في 8:15 م

    أخي الحبيب ( ياسر )
    أشكرك على مشاعرك الطيبة ودعواتك الصادقة لوالدتي رحمها الله تعالى
    عسى الله أن بحفظ لك والدتك الكريمة
    بلغها سلامي واحترامي

    ردحذف
  5. اللهم اغفرلها وارحمها, وعافها, واعف عناه, وأكرم نزلها, ووسع مدخلها, واغسلها بالماء والثلج والبرد, ونقها
    من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس, وأبدلها داراً خيراً من دارها, وأهلاً خيراً من أهلها, وأدخلها
    الجنة, وأعذها من عذاب القبر وعذاب النار

    ردحذف
  6. •» يآجعَلُ إْلقَلبّ إْلُيٌ["عَلُىٌ إْلطيًِبَ رٌٍبآِنيّ"]•»
    •»يدخَلٌ جُنآنُِ-إْلخَلُدِ-وٍُِيقطِفٍَِ-ثمّرٍُهُِـَِآِ"]•»
    عظم الله اجور جميع المسلمين في فقدان كل غالي ... عسى الله يجمعنا فيهم يوم القيامه ...

    ردحذف
  7. عبد الله التميمي19 أكتوبر 2010 في 4:43 م

    الله يغفر لها ويرحمها ويسكنها الجنة,,,,

    والله انني تأثرت بهذه الكلامات..


    محبك...

    ردحذف
  8. غفر الله لهاوأسكنها فسيح جناته و جعل لها مع الصديقين نزلا..قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جاريةأو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له" فالحمد الله أن رزق أمنا بصلاح أستاذنا د. إبراهيم و ندعو الله أن لايحرمها منصادقدعاه وأن يجعلهم ممن قال فيهم الحق سبحانه"والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين"

    محبكم في الله: محمد حسن ......مشرف تربوي

    ردحذف
  9. الله يرحمها ويسكنها الفردوس

    .. اعذرني على التطفل ولكن كنت اسبح في عالم النت وشدني .. الموضوع وداعا ياكرسي امي ..

    كلمات لامست وجداني هنيئا لك ببر والدتك

    اريج الوروود لروحك الطيبه

    .. ن/ الثقفي

    ردحذف
  10. آل طالب ، مهم 2010 ، عبد الله التميمي ، محمد حسن ، ن/الثقفي
    للجمبع شكري ، واحترامي ، ودعواتي على صادق عاطفتهم ، وجميل مرورهم، ورحم الله أمي نورة ) التي كانت سببًا في مروركم الكريم.

    ردحذف
  11. أبو عمر الألمعي14 ديسمبر 2010 في 11:15 م

    بالله لفظك هذا سال من عسل أم هل صببت على أفواهنا العسلا*
    الوصف:كلمات جميلة المعاني بارعة المباني"
    أعجبني: ارتفع على الدنياكلها حينما بالنزول لموضع قدمي ..
    بشرى :دعوة الوالدين مستجابة وأبشر بخير .
    غفر الله لوالدتك ورحمنها وأسكنهاالفردوس الأعلى من الجنة.

    ردحذف
  12. الله يرحمها ويغفر لها ويجلها من الفردوس الاعلى

    اتمنا منك يادكتور ابراهيم ان تنصح الطلاب في الجامعه عن بر الولدين مثل مانصحت شعبه 131
    ويعلم الله انك اثرت فينا وفتحلنا موضوع كنا غافلين عنه
    والله يجزاك الف الف خير ويجعلها في ميزان حسناتك

    ردحذف
  13. رحمك ورحمها الله يا إبراهيم
    دخلت وأنا أتسابق مع كلماتك كي أصل لمقطع شفاء الوالدة وتخليها عن هذا الكرسي فأبكتني وفاتها أسكنها الله جميل جنانه وشملك بتوفيق دائم منه ببركات دعائها لك
    نسألكم الدعاء لوالدتي بالشفاء
    بها من الجميل مايشبه والدتك كثيراً
    صبّر الله قلبك

    ردحذف
  14. ااااه بس ...


    بكيت قلبي ياشيخ ..

    لكن ممكن طلب صغير ..

    أرجو أنك تكتب أشياء من برك لأمك واقعية , لا من باب الرياء ولكن لكي نعرف بعض الطرق اللتي نبر بها والدينا ,,

    أنا بصراحة ما عرفت لأمي , إذا بغت تاخذ عمرة أقول لها يابنت الحلال خل أدفك , تقول لا , وتصر على أن تجعل أحد اللي يشتغلون بالدف يدفها .. هاه وش السوات يادكتور ...

    ردحذف
  15. رحمها الله ‏..

    ولا أقول إلا:‏

    ما
مات من كنت ولده.

    من أنجبت مثلك فإنها لا تموت.

    ناصر (زميلك لأيام معدودة في الدارة)‏

    ردحذف
  16. الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته
    والله يصبركم على فراقها والله يخلي لك الوالد ومن يعز عليك

    ردحذف
  17. تلميذك/مفرح علي عسيري
    الحمد لله والصلاة والسلام على الرسول الامين وبعد.
    اطلب من الله سبحانة وتعالى ان يجمعك بها يوم القيامة ‏
    في الفردوس الاعلى من الجنه وان يجعل قبراها روضا ‏

    من رياض الجنه وان يطيل عمر والدك.

    ردحذف
  18. أبشر بالخير يادكتور إبراهيم مادام هذه أمك فلن تعدم-بإذن الله-منها دعوة صادقة مستجابة، وما أنت فيه من خير ونعمة إنما هو ببركات برها والإحسان إليها ,أقرّ الله عينيك بالسعة في الرزق وطولة العمر على الطاعة وببر أولادك لك ولن يضيع عملك عند الله , فالله لا يضيع أجر المحسنين .
    يادكتور كلماتك اللتي كتبتها بالقلب قبل القلم وبالدمع قبل الحبر ماهي إلا مدرسة من مدارس فن التعامل الراقي مع الوالدين ,وحلقة من حلقات التربية الخصوصية في البر التي يجب أن يتربى عليها شبابنا وفتياتنا اليوم .
    غفر الله لأمك ورفع قدرها وأعلى منزلتها ووسع مدخلها وجعلها في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

    أخوكم :
    محمد الفيفي.
    READING1432

    ردحذف
  19. عنوانات كثيرة لقصائد الدكتور ابراهيم السماعيل ،،،لكن هذه القصيدة والموقف (وداعا يا كرسي أمي) ملحمة تقرأ لأبد الدهر...هنيئا لهذا الابن البار.

    ردحذف