وداعًا يا كرسي أمّي !!
كان ضحى يوم الأربعاء 3 / 1 / 1430هـ هو اليوم الأخير الذي تشرفت فيه بأن أكون خادم أمي – رحمها الله تعالى – في كرسيها المتحرك الذي طالما كان لي معه ومعها صحبة !
( كرسي أمي ) فارقها أو فارقته ضحى ذلك اليوم دون عِلم أحد منا (نحن الثلاثة) أن ذاك الضحى هو آخر ساعة ستجمعنا معًا كما اجتمعنا أيامًا عديدة ، ذهبنا ذاك الضحى إلى مدينة الملك فهد الطبية لمراجعة اعتيادية ! ولكن الاستشارية أصرت على تنويم (أمي نورة) لأن حالتها لا تسمح بخروجها ، فرجعت مساءً أنا والكرسي دون أمي ، حيث مكثت أمي – رحمها الله – في المستشفى من ذلك الضحى 3 / 1 / 1430 هـ إلى أن كتب الله الخروج منه ضحى السبت 3 / 3 / 1430هـ ولكن هذا الخروج كان إلى مغسلة الأموات في جامع الراجحي ! وبالطبع خرجت محمولة ولم يصحبها كرسيّها !
وفي العشر الأواخر من رمضان المبارك 1431هـ أخذت ( كرسي أمي ) رحمها الله ، معي إلى مكة المكرمة لأجعله في المكان الذي طالما كانت ترتاح فيه حيث الحرم الشريف ، صحبت ( الكرسي ) وليس عليه ( أمي ) ! وطلبت من القائمين على خدمة ضيوف الرحمن أن يقبلوه ( وقفًا للمسجد الحرام ) ، وبكل أريحية ولطف أخذه أحد شبابنا السعوديين العاملين في المكان المخصص للعربات ليكتب عليه ( وقف للمسجد الحرام ) وودعني بالدعاء لمن كانت تنير هذا الكرسي – رحمها الله –
خرجت مودِّعًا ( كرسي أمّي ) وأنا أحمل معي أحمالاً من الذكريات !
أسائلك أيها ( الكرسي ) أتذكر مثلي عندما كانت ( أمي نورة ) رحمها الله تجافي ظهرها عنك حتى تخفف عليَّ دفع الكرسي !
أتذكر عندما كانت – رحمها الله – تقول لي بحضورك يا وليدي بإمكاني أن أمشي ، خلني أنزل تعبتك يا ولدي !
أظنك لم تشعر بها – رحمها الله – وهي تخرج من حقيبتها ما تفرح به العاملات والعاملين في المستشفى والممرضات بما تخفيها حتى عنك لئلا تحرج المحتاج !
لكنني أظنك كنت تراني وأنا أرتفع على الدنيا كلها حينما أنزل إلى موضع (قَدَمَيْ أمي) رحمها الله ؛ لأصلح لها موضع القدمين منك أيها الكرسي ، وهي تردد كلما تكرر مني هذا العمل ( الله يرفع قَدْرك يا ولدي ) .
أيها الكرسي هل كنت تشعر بالغبطة والسرور عندما تراني أقبِّل ( رأس أمّي ) رحمها الله أثناء سيرنا من وإلى العيادات وهي ترد على قبلاتي بقولها ( حبِّكْ ربّي ).
أيها الكرسي ما شعورك وأنت تستمع إلى أحاديثنا الطويلة التي أحاول بها أن أخفف على ( أمي ) رحمها الله طول الانتظار في ( شباك الصيدلية ) .
أيها الكرسي كيف كنت وأنا أدنيك جدا من باب السيارة حتى لا أضطر ( أمي ) رحمها الله أن تمشي خطوة واحدة !
وأخيرًا ( أيها الكرسي ) هل شعرت بي وأنا وأنت فقط عند الحرم عندما قبّلتك أنت قبلات ممزوجة بدموع تتوارى عن أعين المعتمرين ! نعم قبّلتك وأنا أستحضر ذلك الجسد الطاهر الذي كان عليك يومًا من الدهر ! قبّلتك ولكني لم أسمع هذه المرة ( حبِّكْ ربّي ) !
رحم الله أمي الغالية ( نورة بنت عبد العزيز بن غنيم المانع ) التي لا تزيدنا أيام فراقها إلا تعلقًا بها ، وشوقًا إليها .
د / إبراهيم بن عبد الله الغانم السماعيل
ليلة 27 رمضان 1431هـ